لقد
أثار وجود الجزاء في القانون الداخلي العديد من المناقشات بين فقهاء القانون الخاص
، ولعل هذا الاختلاف يرجع إلى السؤال الذي أثير بهذا الصدد ، أأن الجزاء ركن تكوين
في القاعدة القانونية أم أثر من آثار تطبيقها ؟
يرى
أغلب فقهاء القانون الخاص ( أن الجزاء ركن ضروري جوهري في وجود القانون ، ويعد
وسيلة إجبار مادي لكفالة احترام القانون من خلال سلطة تملك إيقاعه ، فضلا عن ذلك
اشترطوا في الجزاء أن يكون في صورة أذى ظاهر ، وأن يكون معينا جنسا ومقدارا ، وأن
يكون موكولا لسلطة عامة ، وأن يكون ماديا ومنظما ) ([1])
، وعليه، فالقاعدة القانونية وفقا لهذا الرأي تدور مع الجزاء وجودا أو عدما ، وإن تخلف الجزاء يؤدي إلى انعدام وجود
القاعدة القانونية ([2])
.
ويعرف
القانون وفقا لذلك بأنه ( مجموعة قواعد سلوك تنظم حريات المخاطبين بأحكامها وتتصف
بالعمومية والتجريد وتقترن بجزاء يكفل احترامها من خلال سلطة عامة ) ([3])
.
وهذا
الرأي ليس محل اتفاق بين فقهاء القانون الخاص أنفسهم ، فهناك فريق لا يشترط توفر
الجزاء لوجود القاعدة القانونية وهؤلاء هم أصحاب المدرسة الموضوعية ( كديجي وكابيتان ) إذ قالوا أن الجزاء مستقل
عن القاعدة القانونية وخارج عن ماهيتها ([4])
.
ويستدل
هؤلاء على رأيهم ( بأن قواعد القانون الدستوري الذي يمثل القانون الأساس للدولة
وينظم السلطات داخلها يفتقر إلى الجزاء ومع هذا يعترف له بالصفة القانونية ) ([5])
.
ويضيف
هؤلاء أن القول بوجود الجزاء يؤدي إلى التلازم بين القانون ونشاطات الدولة العامة
ويبدو القانون كأنه من صنع السلطة ، وهذا يؤدي إلى مصادرة الحرية الشخصية
وانتهاكها ([6])
.
ويرد
أصحاب الرأي الأول على هذه الحجج بما يأتي :
1-
إن قواعد القانون الدستوري يتوافر لها الجزاء وإن كان ذا طبيعة خاصة تتلائم مع
الوسط الاجتماعي الذي يطبق فيه القانون وبما ينشئه من رقابة بين سلطات الدولة
المختلفة ( التشريعية التنفيذية والقضائية ) .
2-
إن حجة دكتاتورية الدولة إذا ما طبقت الجزاء ، ربما تنصرف إلى الماضي عندما كانت
سلطة الدولة مطلقة على رعاياها ، وهذا لا ينطبق على الدولة الحديثة بسبب خضوع
تصرفاتها لمبدأ المشروعية ، إذ حلت السيادة النسبية محل السيادة المطلقة فنظام
الجزاءات في القانون الداخلي يتصف بالتنظيم لصدوره من سلطة تحتكر فرضه ([7])
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق