السبت، 11 يناير 2014

الجزاء والقاعدة القانونية الداخلية

لقد أثار وجود الجزاء في القانون الداخلي العديد من المناقشات بين فقهاء القانون الخاص ، ولعل هذا الاختلاف يرجع إلى السؤال الذي أثير بهذا الصدد ، أأن الجزاء ركن تكوين في القاعدة القانونية أم أثر من آثار تطبيقها ؟
يرى أغلب فقهاء القانون الخاص ( أن الجزاء ركن ضروري جوهري في وجود القانون ، ويعد وسيلة إجبار مادي لكفالة احترام القانون من خلال سلطة تملك إيقاعه ، فضلا عن ذلك اشترطوا في الجزاء أن يكون في صورة أذى ظاهر ، وأن يكون معينا جنسا ومقدارا ، وأن يكون موكولا لسلطة عامة ، وأن يكون ماديا ومنظما ) ([1]) ، وعليه، فالقاعدة القانونية وفقا لهذا الرأي تدور مع الجزاء وجودا أو  عدما ، وإن تخلف الجزاء يؤدي إلى انعدام وجود القاعدة القانونية ([2]) .
ويعرف القانون وفقا لذلك بأنه ( مجموعة قواعد سلوك تنظم حريات المخاطبين بأحكامها وتتصف بالعمومية والتجريد وتقترن بجزاء يكفل احترامها من خلال سلطة عامة ) ([3]) .
وهذا الرأي ليس محل اتفاق بين فقهاء القانون الخاص أنفسهم ، فهناك فريق لا يشترط توفر الجزاء لوجود القاعدة القانونية وهؤلاء هم أصحاب المدرسة الموضوعية  ( كديجي وكابيتان ) إذ قالوا أن الجزاء مستقل عن القاعدة القانونية وخارج عن   ماهيتها ([4]) .
ويستدل هؤلاء على رأيهم ( بأن قواعد القانون الدستوري الذي يمثل القانون الأساس للدولة وينظم السلطات داخلها يفتقر إلى الجزاء ومع هذا يعترف له بالصفة القانونية ) ([5]) .
ويضيف هؤلاء أن القول بوجود الجزاء يؤدي إلى التلازم بين القانون ونشاطات الدولة العامة ويبدو القانون كأنه من صنع السلطة ، وهذا يؤدي إلى مصادرة الحرية الشخصية وانتهاكها ([6]) .
ويرد أصحاب الرأي الأول على هذه الحجج بما يأتي :
1- إن قواعد القانون الدستوري يتوافر لها الجزاء وإن كان ذا طبيعة خاصة تتلائم مع الوسط الاجتماعي الذي يطبق فيه القانون وبما ينشئه من رقابة بين سلطات الدولة المختلفة ( التشريعية التنفيذية والقضائية ) .
2- إن حجة دكتاتورية الدولة إذا ما طبقت الجزاء ، ربما تنصرف إلى الماضي عندما كانت سلطة الدولة مطلقة على رعاياها ، وهذا لا ينطبق على الدولة الحديثة بسبب خضوع تصرفاتها لمبدأ المشروعية ، إذ حلت السيادة النسبية محل السيادة المطلقة فنظام الجزاءات في القانون الداخلي يتصف بالتنظيم لصدوره من سلطة تحتكر فرضه ([7]) .



([1]) د. عبد الرزاق السنهوري ود. أحمد حشمت أبو ستيت ، أصول القانون ، بدون مكان طبع ، 1943م ، ص32 .
([2]) د. محمد إسماعيل علي ، القانون الدولي العام ، بدون مكان طبع ، 1983م ، ص62، 63 .
([3]) L. Cavere, Les Sanctions dans Le eadre de I’onu, R.C.A.D.I, Tom 80, 1952, p. 198.
([4]) ومن هذا الرأي الدكتور أحمد سلامة إذ يقول : ( إن الجزاء لا ينطبق إلا في حالات قليلة وأن الغالب الطاعة للقاعدة القانونية لأنها وضعت لمصلحتهم ، فيكفي أن يشعر المخاطبون باحترامها ) .
د. أحمد سلامة ، دروس في المدخل لدراسة القانون ، دار التعاون ، بدون مكان طبع ، 1965م ،  ص35، 36 .
([5]) د. محمد حسن قاسم ، النظرية العامة للقانون ( القاعدة القانونية ) ، الدار الجامعة ، بيروت ، بدون سنة طبع ، ص35 .
([6]) د. حسن كيرة ، المدخل إلى القانون ، ط2 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، بدون سنة طبع ، ص38 .
([7]) د. مالك دوهان الحسن ، المدخل لدراسة القانون ، ج1 ، بغداد ، 1972م ، ص36 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق