إذا
كان المشرعون في مختلف دول العالم قد اتفقوا على وجوب التزام المصارف بالمحافظة
على أسرارها إلا انهم اختلفوا في طريقة معالجتهم لهذا الالتزام من حيث النصوص
القانونية التي عالجت هذا الموضوع([1])،
حيث نجد أن هنالك اتجاهين في هذا الصدد :-
1- الاتجاه الأول :
في هذا الاتجاه يخصص المشرع مادة واحدة
أو اكثر ضمن القانون الخاص بالتنظيم المصرفي لمعالجة موضوع السرية المصرفية ، وقد
اخذ بهذا الاتجاه عدة تشريعات مصرفية كقانون النشاط الائتماني والمصرفي البلغاري
المرقم 25 لسنة 1992 المعدل، حيث نصت المادة (47) منه والخاصة بالسرية على ما يأتي
:-
((1- موظفو المصرف ،
الهيئات الإدارية في المصرف ، موظفو المصرف المركزي، مراقبو الحسابات ، إضافة إلى
أي شخص يعمل في المصرف ، يجب أن لا يكشفوا لمصلحتهم الخاصة أو لمصلحة عائلاتهم
الموجودات والتعاملات في الحسابات والودائع لزبائن المصرف والتي أصبحت معروفة
لديهم بحكم واجباتهم الوظيفية .
2- كافة موظفي المصرف يجب أن يوقعوا على
إعلان خاص بالمحافظة على السرية المصرفية عند ممارستهم لعملهم المصرفي .
3- الفقرة الأولى من هذه المادة يجب أن
تطبق أحكامها حتى على الذين انهوا خدمتهم الوظيفية في المصرف …))([2])
.
2- الاتجاه
الثاني : إن
هذا الاتجاه هو الأخر يأخذ بمبدأ الالتزام بالمحافظة على السر المصرفي إلا انه يعد
اكثر تنظيماً لأحكامه من الاتجاه الأول ، ذلك لأنه يخصص قانوناً مستقلاً عن
القانون المصرفي العام لمعالجة موضوع السرية المصرفية ، وقد أخذت عدة تشريعات
مصرفية بهذا الاتجاه ، نذكر منها على سبيل المثال المشرع في الولايات المتحدة
الأمريكية إذ نصت المادة الثانية من قانون السرية المالية لسنة 1958 على ما يأتي
:- ((لا يجوز لأية مؤسسة مالية أو أحد إداريها أو الموظفين العاملين بها أو وكيل
المؤسسة المالية أن يزود السلطات الحكومية بنسخ من السجل المالي لزبائن هذه
المؤسسة أو أية معلومات عنهم إلا وفقاً للمواد المشار إليها في هذا القانون([3]).
أما فيما يخص موقف مشرعنا العراقي من الاتجاهين فيبدو انه قد اخذ بالاتجاه الأول ،
وهو ما يفهم من نص الفقرة الثالثة من المادة (46) من قانون البنك المركزي العراقي
ذي الرقم 64 لسنة 1976 المعدل التي جاء فيها : ((تعتبر المعلومات المتعلقة بأسماء
المودعين ومبالغ ودائعهم وأية معلومات تتعلق بها ، وكذلك مبالغ الائتمان
والالتزامات غير المباشرة وأسماء العملاء الممنوحة لهم التسهيلات من الأمور السرية
التي لا يجوز تزويد أية جهة بها ، عدا الجهات القضائية المختصة ، أو الجهات
الرسمية الأخرى التي يخولها القانون ذلك ، كما لا يجوز لأي شخص اطلع على هذه
المعلومات إفشاؤها لغير المراجع المذكورة في هذه المادة)).
وكان
المشرع العراقي قد اخذ بذات الاتجاه في قانون مراقبة المصارف المرقم 97/ أ لسنة
1964 الملغي حيث نصت المادة 29 منه :-
((1- لا يجوز لأي شخص اطلع بتخويل من
البنك المركزي العراقي على معلومات سرية عائدة لأي مصرف أو صيرفي إفشاء هذه
المعلومات لغير المراجع القانونية أو نشر أو إعطاء أخبار تمس مصلحة المصرف أو
الصيرفي أو أحد زبائنهما .
2- يحيل البنك المركزي العراقي
المخالفين للفقرة (1) من هذه المادة إلى المحاكم وللمحكمة معاقبة المخالف بغرامة
لا تزيد على (500) دينار أو بالحبس لمدة لا تتجاوز السنة أو بكلتا العقوبتين .
إن
النص أعلاه جيد ويجلب الانتباه ونرى الفارق بينه وبين النص الجديد المقترح في
مشروع قانون المصارف لسنة 2000 أي بعد فترة زمنية بلغت (36) سنة من الرقي والتطور
التي سادت التشريعات العالمية حيث جاء المشروع أعلاه في الفصل الرابع المادة (63)
منه بنص :
((يلتزم مراقب الحسابات بكتمان سرية
العمل المصرفي غير انه لا يحتمل أية مسؤولية قانونية فيما يتعلق بإفشاء أسرار
الزبون بخصوص البيانات والمعلومات التي يقوم المراقب بتزويد البنك المركزي بها
بموجب هذا القانون)).
كما نصت المادة (70)
من فصل العقوبات على ((يعاقب بغرامة لا تتجاوز (200) ألف دينار كل من يتوجب عليه
كتمان السر المصرفي إذا أفشى هذا السر)) أي أن المشروع ألغى عقوبة الحبس واكتفى
بالغرامة لمن يفشي هذا السر، وذلك بدلاً من التشديد في العقوبة فقد خفف .
ومن خلال تفحص
الاتجاهين المذكورين آنفاً يتضح لنا غلبة الاتجاه الثاني على الاتجاه الأول ، ذلك
لأن المشرع بموجب الاتجاه الثاني يخصص قانوناً كاملاً بدلاً من مادة واحدة فقط في
إطار القانون العام ، وهو ما يأخذ به الاتجاه الأول ، فعلى سبيل المثال لا الحصر
نجد أن المشرع الأمريكي قد خصص 21 مادة للبحث في السرية المصرفية ، بينما المشرع
اللبناني خصص 10 مواد ، ومن هنا فإن المشرع ضمن هذا الاتجاه يغطي موضوع السرية
المصرفية من جوانبها كافة ، دون أن يترك أية ثغرات فيه ، وعلى هذا الأساس فإننا
نقترح على المشرع العراقي إصدار تشريع خاص بالسرية المصرفية أسوة بالتشريعات
المصرفية التي تبنت الاتجاه الثاني بدلاً من إيراد نص هزيل تائه ضمن قانون طويل وعريض
في مواده القانونية .
نستخلص من كل ما تقدم
أن الدول سلكت اتجاهين في فرض العقوبة على جريمة إفشاء السر المصرفي ، من هذه
الدول التي جاءت تشريعاتها خالية من إيراد قانون خاص بالسرية المصرفية وفرض
العقوبة على مرتكبي مخالفة هذا القانون مما أدى بها الحال إلى اللجوء إلى قانون
العقوبات ونصوصه التي تعاقب على جريمة إفشاء سر المهنة بشكل عام ودرج السر المصرفي
تحت أسرار المهنة ، في حين خصصت دول أخرى في تشريعاتها قانوناً تحت عنوان قانون
السرية المصرفية ومعاقبة مرتكبي الفعل أي فعل الإفشاء على ضوء هذا القانون وفي ذات
الوقت أفردت نصاً في قانون العقوبات خاصة لمرتكبي إفشاء أسرار المهنة والجدير
بالذكر أن العقوبة الواردة في قانون سرية المصارف تكون دائماً اكثر تشديداً من
العقوبة الواردة في قانون العقوبات في الدول التي أخذت بالسرية المصرفية تحت ظل
قانون خاص.
([2])
لقد اخذ بهذا الاتجاه أيضاً المشرع الفرنسي استناداً إلى المادة 57 من قانون
المصارف لسنة 1984 المعدل ، والمشرع الليبي استناداً إلى المادة 73 من القانون رقم
1 لسنة 1993 بشأن المصارف والنقد والائتمان ، والمشرع الروسي استناداً إلى المادة
26 من قانون المصارف المرقم 17 لسنة 1996 .
Philip R. Wood, current legal issues
affecting central banks, international law & bank secrecy, edited by Robert
C. effors international monetary fund, Washington , 1998, p. 475, 16, 44. تشريعات
مصرفية ، تعديل القانون المرقم 1 لسنة 1993 بشأن المصارف والنقد والائتمان في
الجماهيرية العربية الليبية ، مجلة المصارف العربية ، العدد 206 ، المجلد 18 ،
شباط 1998 ، ص57 .
([3])
كما اخذ بهذا الاتجاه كل من المشرع اليوناني استناداً إلى قانون السرية المصرفية
لسنة 1971 ، والمشرع الأسترالي استناداً إلى قانون السرية لسنة 1988 ، والمشرع
الكندي استناداً == ==إلى قانون السرية
المصرفية لسنة 1988 . أما على صعيد الدول العربية ، فنجد أن المشرع اللبناني كان
من أول المشرعين ليس على صعيد الوطن العربي فحسب وإنما على الصعيد العالمي ، فقد
اصدر قانوناً للسرية المصرفية في سنة 1956 ، وكذلك المشرع المصري الذي اصدر
قانوناً لسرية الحسابات المصرفية ذا الرقم 205 لسنة 1990.
Philp R. Wood,
current legal issues affecting central banks, international law of bank
secrecy, Op. Cit., pp. 425, 433.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق