السبت، 18 يناير 2014

مفهوم مبدأ الفصل بين السلطات

 

إن مقتضى هذا المبدأ أن يستقل كل سلطة من سلطات الدولة في مباشرة الوظيفة التي أسندها إليها الدستور، ولا يجوز لأي منهما الاعتداء على وظيفة السلطات الأخرى أو تجاوز حدود اختصاصاتها([1]).ويمكن استخلاص معنيين أساسين لمبدأ الفصل بين السلطات أولهما: الاستقلال العضوي. ويقصد به أن يتمتع كل من سلطة من سلطات الدولة بالاستقلال الذاتي في مواجهة باقي السلطات. أي أن هذا المبدأ يقوم على أساس عدم التدخل في شؤون باقي السلطات.ثانيهما: التخصص الوظيفي: حيث يختص كل سلطة بممارسة اختصاصاتها بحيث تقتصر وظيفة السلطة التشريعية على سن القوانين، في حين تقتصر وظيفة السلطة التنفيذية بمهمة تنفيذ القوانين، أما السلطة القضائية تنفرد بمزاولة وظيفتها القضائية التي تتمثل بتطبيق القانون على المنازعات والخصومات التي ترفع إليها([2]).فنلاحظ أن مونتيسكيو قد أتخذ من التقسيم الثلاثي لوظائف الدولة أساساً لتوزيع السلطة بين هيئات مختلفة، أي أنه قد أقام هذا المبدأ على أساس فكرة وجود وظائف متميزة في الدولة([3]).وإن أساس فكرة المبدأ لدى مونتسكيو هو أنه إذا اجتمعت هذه السلطات بيد فرد واحد أو هيئة حاكمة واحدة، فأن ذلك سيكون مدعاة لإساءة استعمال السلطة أو الاستبداد بها، فعلى سبيل المثال إذا اجتمعت وظيفتا التشريع والتنفيذ بيد واحدة، فالنتيجة المترتبة على ذلك هي فقدان التشريع لصفة العمومية والتجديد. أي فقدانه ضمانة وضعه قواعد عامة مجردة تطبق على الحالات المستقبلية، لأنه يمكن أن تقوم السلطة التشريعية بسن القوانين لتطبق على حالات خاصة وتحقيقاً لمأرب شخصية([4]) ويؤدي في الوقت ذاته إلى أن تجتمع صفتي المشرع والمنفذ في الشخص نفسه. بحيث يكون الذي قد سن القانون هو نفسه الذي قام بتنفيذه.وتكون الحالة نفسها عند اجتماع وظيفتي التشريع والقضاء بيد واحدة. حيث ستتحقق النتيجة الأولى نفسها وهي فقدان القانون لصفة العمومية التي يتميز بها لأنه يمكن للمشرع أن يسن قواعد قانونية تتفق مع الحل الذي يراد تطبيقه على الحالات الفردية التي تعرض أمام القضاء فيحابي من يشاء ويظلم من يشاء بحيث يصبح القضاء أداة لتنفيذ الأغراض والمآرب([5]). وتجدر الإشارة إلى أن الفصل الذي نادى به مونتيسكيو لم يقصد به الفصل التام أو الفصل العازل بين السلطات بحيث تكون كل سلطة في عزلة عن السلطة الأخرى، وإنما يهدف هذا المبدأ إلى إيجاد نوع من التوازن والتعاون بين هذه السلطات، حتى يمكنها هذا التعاون والتنسيق من تأدية وظائفها وتحقيق أهدافها، وهذا يقتضي في الوقت ذاته إيجاد الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات، لضمان عدم تجاوز أية سلطة لحدود اختصاصاتها. ويضمن هذا التعاون حقوق الأفراد وحرياتهم([6]).وقد اختلفت الأنظمة السياسية في اعتناقها لمبدأ الفصل بين السلطات. إذ نجد أن بعضاً من هذه الأنظمة قد أخذت بالفصل المرن الذي يحقق التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والشاهد على ذلك الأنظمة البرلمانية، حيث تتخلى مظاهر التعاون بأن للسلطة التشريعية الحق في سؤال الحكومة واستجوابها وطرح الثقة بها بعد ثبوت مسؤولياتها السياسية. وبالمقابل يكون للسلطة التنفيذية حق الرقابة على تكوين السلطة التشريعية. وممارستها لأعمالها التشريعية وحق حل هذه السلطة إذا ما رأت أن هناك مبرراً لذلك. أما الأنظمة الأخرى فقد أخذت بأسلوب الفصل التام بين السلطات. وخير شاهد على ذلك الولايات المتحدة الأميركية التي اعتنقت هذا المبدأ في دستورها لعام 1787. ويفترض في هذا النوع من الفصل أن لا يكون هناك أي اتصال أو تعاون بين هذه السلطات.لأن هذه السلطات ستجد نفسها بطبيعة الحال مضطرة إلى قيام بالتعاون والتضامن فيما بينها. فمثلاً رئيس الدولة يتمتع بحق الاعتراض على القوانين ومخاطبة البرلمان برسائل شفوية، أما السلطة التشريعية فموافقتها ضرورية لنفاذ كثير من أعمال السلطة التنفيذية نحو تعيين كبار الموظفين. وإبرام بعض المعاهدات، والموافقة على الميزانية([7]). ونلاحظ أن في الأفكار التي طرحها مونتيسكيو في كتابة روح الشرائع تأثيراً كبيراً على الثورتين الفرنسية والأميركية، حيث أعلنت الثورة الفرنسية في إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789: ((إن كل جماعة سياسية لا تضمن حقوق الأفراد ولا تفصل بين السلطات لا دستور لها)) وتأسيساً على ذلك قامت أول دساتير الثورة الفرنسية لعام 1791، ودستور الجمهورية الثالثة ودستور سنة 1748 بمبدأ الفصل بين السلطات في الدولة فضلاً عن أثره على الثورة الأميركية لعام 1777 الذي وضع على أثره الدستور الأميركي لعام 1787([8]).

([1]) د. فؤاد العطار مصدر سابق ص 181.
([2]) د. محمد كاظم المشهداني مصدر سابق ص 116.
([3]) د. محمود عاطف البنا النظم السياسية مصدر سابق ص 329.([4]) د. منير حميد البياتي الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي الطبعة ألأولى الدار العربية لطباعة بغداد 1979 ص 230.
([5]) عبد الغني بسيوني عبد الله النظم السياسية الدار الجامعية بلا مكان طبع 1985 ص 267.
([6]) د. السيد خليل هيكل مصدر سابق ص 187.
([7]) نعمان احمد الخطيب النصوص الدستورية أهم ضمانات حقوق الإنسان مقال منشور في مجلدات حقوق الإنسان المجلد الثالث دراسات تطبيقية عن العالم العربي دار العلم للملايين بيروت لبنان 1998 ص 183.
([8]) عبد الغني بسيوني مصدر سابق ص 265.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق