إن تعديل المعاهدة هو عبارة عن عملية قانونية تهدف إلى إحلال أحكام جديدة محل جميع أو بعض أحكام المعاهدة السابقة ، ومن المفيد في هذا الشأن أن نوضح الأفكار والمبادئ العامة المتعلقة بالتعديل ، وذلك على النحو الآتي :
1-
لا تلزم التعديلات من حيث المبدأ إلا الدول التي قبلتها صراحة وهذا ما جاءت به
اتفاقية فينا لقانون المعاهدات بين الدول في المادتين40/4 ، 41 ، وهذا لا يمكن
قبوله في المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية إذ لا يتصور بالنسبة لموضوع هذه
المعاهدات والغرض منها تعديلها عن طريق اتفاقات جزئية لأن هذا يخلق ازدواجية
في العضوية ([1])
، عضوية على أساس المعاهدة الأصلية ، وعضوية على أساس المعاهدة المعدلة الجديدة .
وهنا لا يمكن مجاراة اتفاقية فينا لقانون المعاهدات في تفريقها بين هذين النوعين
من التعديل ، التعديل باتفاق جميع الأطراف بموجب المادة 40 ، والاتفاق على تعديل
المعاهدة بين بعض أطرافها فقط بشروط معينة كما جاء في المادة 41 من الاتفاقية وهذا
يخلق وضعا قانونيا معقدا في المنظمات الدولية وإن كان يتفق مع سيادة الدول ومبدأ
الرضائية لكنه يتعارض مع مبدأ التنظيم الدولي ([2])
.
2-
يمكن تعديل المعاهدة باتفاق الأطراف سواء أكان الاتفاق صريحا أم ضمنيا ([3])
. وفي هذا الصدد يمكن القول أن قاعدة الإجماع هي التي هيمنت في الماضي انطلاقا من
فكرة السيادة ونجد لهذه القاعدة تطبيقا في بعض الأحلاف العسكرية كحلف شمالي
الأطلسي ، وقد هجرت تقريبا هذه القاعدة في المنظمات الدولية إذ تم اعتماد مبدأ
الأغلبية سواء أكانت أغلبية بسيطة أم أغلبية موصوفة ، وتسري التعديلات على جميع
الدول الأعضاء بصرف النظر عن رضاها أو عدم رضاها بذلك ، وهذا ما أكده عهد عصبة
الأمم ( المادة 26 ) وميثاق جامعة الدول العربية ( المادة 19 ) وميثاق الأمم
المتحدة ( المادتان 108، 109 ) والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية (
المادة28 ) واتفاقية منظمة الطيران المدني الدولية ( المادة 94 ) .
3-
أن المنظمة الدولية التي تواجه مشكلة رفض بعض التعديلات التي تجري على ميثاقها من قبل بعض الدول الأعضاء ،
يمكن أن يكون ذلك سببا لإنهاء
العضوية ، فالتعديلات في هذه الحالة تقسم من حيث آثارها إلى نوعين هما
التعديل التشريعي والتعديل غير التشريعي الملزم للدول لموافقة عليه :
-أ-
التعديلات التشريعية أو التعديلات الملزمة لجميع الدول الأعضاء وهذا التعديلات لا يستثنى منها حتى الممتنعون عن
المصادقة عليها ، لذا على الدولة غير الموافقة على هذه التعديلات أن تنسحب وهنا
يكون الانسحاب انسحابا إجباريا (Compulsory
withdrawal) من المنظمة الدولية ولعل سبب هذا الإجراء
هو أن هذا الرفض يعد رفضا لرأي الأكثرية التي يسلم بها العضو ابتداء عند انضمامه
للمنظمة الدولية ([4])
ولعل أوضح الأمثلة على التعديلات التشريعية ما جاء في المادتين 108، 109 من ميثاق الأمم
المتحدة، وكذلك النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية ([5])
.
-ب-
التعديلات غير التشريعية الملزمة للدول الموافقة عليها فقط : هنا يحق للدولة التي
لا تقبل تلك التعديلات أن تنسحب عند تنفيذها وذلك باختيارها وإرادتها إذ لا يمكن
قبول ازدواجية العضوية في المنظمات الدولية كما أشرنا سابقا ولإزالة هذا الوضع الشاذ
فلا بد من إنهاء عضوية الدولة الرافضة للتعديل ([6])
، وقد أشارت
اتفاقية منظمة الطيران المدني إلى أن
التعديلات التي يوافق عليها ثلثا أعضاء الجمعية ويصدقها ما لا يقل عن ثلثي أعضاء
المنظمة تصبح سارية المفعول بالنسبة للدول الأعضاء التي صدقت على هذه التعديلات
فقط ([7])
، وكذلك ميثاق جامعة الدول العربية في المادة 19 .
ويمكن القول أن الانسحاب بسبب تعديل
الميثاق هو مجرد حق نظري فالدول حريصة على التعاون مع المنظمة الدولية ، والدول
التي توضع أمام هذا الخيار فإنها تفضل البقاء في المنظمة مع وجود تلك الأحكام
المعدلة التي لم توافق عليها ، فوفقا للقواعد العامة لا يجوز إجبار الدولة على
الاستمرار في العضوية بدون رضاها ، وقد أثبتت الممارسة الدولية ندرة الانسحاب بسبب
عدم المصادقة على تعديل الميثاق ، كذلك قلة النصوص التي تناولت هذا الحق ، وحتى
الحالات التي أجازها الإعلان التفسيري للانسحاب من الأمم المتحدة بسبب تعديل
ميثاقها فإن ذلك يخالف روح الميثاق والمركز القانوني الذي تتمتع به الأمم المتحدة
تجاه الكافة ([8])
.
ومع ذلك نجد أن المعاهدات المنشئة
للمنظمات الدولية تضمنت إجراءات تعديلها وهذه العملية لا تتم إلا بتوافر عنصرين
موافقة الدول الأعضاء في المنظمة الدولية ، وموافقة أجهزة المنظمة الدولية من
ناحية أخرى ، وحتى يمارس هذا التعديل لا بد من التصويت عليه من قبل الدول ومن ثم
التصديق عليه حتى يدخل حيز النفاذ وتختلف المنظمات الدولية في تحديد نسبة التصويت
اللازمة كي يصبح التعديل نافذا ، فبعض المنظمات الدولية نصت على أغلبية الثلثين
كدستور منظمة العمل الدولية ، واتفاقية منظمة الصحة العالمية ، ودستور مجلس أوربا
، وميثاق جامعة الدول العربية ([9])
، وبعض مواثيق المنظمات الدولية تشترط أغلبية معينة كأغلبية الثلثين وموافقة بعض
الدول الكبرى كميثاق منظمة الأمم المتحدة ([10])
. ومن الجدير بالذكر أن المنظمات الدولية تتباين في مدى وجوبية أو جوازية الانسحاب
منها ، فمنظمة التجارة العالمية أعطت للدولة الحرية في الانسحاب أو البقاء فيها
بقولها ( للمؤتمر الوزاري أن يقرر بأغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء أن أي تعديل يسري
بموجب الحكم السابق هو من طبيعة تكفل لكل عضو لم يقبله خلال مدة يحددها المؤتمر
الوزاري في كل حالة حق الانسحاب من المنظمة أو البقاء عضوا فيها بموافقة المؤتمر
الوزاري ) ([11])
.
ويذكر أن عهد عصبة الأمم قد نص على أنه
( 1- تصبح تعديلات هذا العهد نافذة بعد التصديق عليها من أعضاء العصبة الذين يتألف
المجلس من مندوبيهم وأغلبية أعضاء العصبة الذين تتألف الجمعية من مندوبيهم ، 2- لا
تلزم مثل هذه التعديلات أي عضو في العصبة عبر عن معارضته لها ، غير أنه في هذه
الحالة تنقضي عضوية هذا العضو في العصبة ) ([12])
، فتعديلات العهد لا تلزم الدول التي لا توافق عليها إلا أن عضوية تلك الدولة غير
الموافقة تنتهي في العصبة .
أما ميثاق جامعة الدول العربية فقد جعل
الانسحاب مسألة جوازية للدولة التي لا توافق على التعديل لأن هذا التعديل قد لا
يلائم مصلحتها ، ونص على ذلك بالقول أنه (
يجوز بموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل هذا الميثاق ، وعلى الخصوص لجعل الروابط
بينها أمتن وأوثق ، ولإنشاء محكمة عدل عربية ولتنظيم صلات الجامعة بالهيئات
الدولية التي قد تنشأ في المستقبل لكفالة الأمن والسلم ولا يبت في التعديل إلا في
دور الانعقاد التالي للدور الذي يقدم فيه الطلب وللدولة التي لا تقبل التعديل أن
تنسحب عند تنفيذه دون التقيد بأحكام المادة السابقة ) ([13])
.
ولا بد من القول أن الدولة غير الموافقة
على التعديل لا تجبر على البقاء في الجامعة في ظل هذه القواعد الجديدة التي لا
ترتضيها ، والفقرة الثانية من المادة 19 من ميثاق الجامعة التي تعطي الدولة الحرية
الكاملة للانسحاب بصورة فورية وبدون انتظار مدة السنة التي نصت عليها المادة 18 من
ميثاق الجامعة وذلك بالنسبة للانسحاب الإرادي ، وكل ذلك يعتمد على رغبة الدولة ، ونسبة
الثلثين يقصد بها ثلثي الأعضاء في الجامعة ([14])
ومن نافلة القول ، أن نشير هنا إلى نوع من الانسحاب الإجباري يشبه جزاء الفصل من
العضوية إلى حد كبير ومضمون هذا الانسحاب أن المنظمة الدولية قد تبادر إلى تعديل
دستورها بحيث يطرد العضو الذي لا يصادق على التعديلات خلال مدة معينة ، والحكمة من
هذا الإجراء هو التخلص من عضو يشكل بقاؤه في هذه المنظمة خطرا عليها ([15]) ، وعلى الرغم من
تسمية هذه العملية بالانسحاب إلا أنها وسيلة لطرد الدولة من منظمة دولية لا تنص
على هذا الجزاء ، وهذا ما نص عليه دستور المنظمة البحرية الحكومية بالقول ( يحق
لجمعية المنظمة أن تقرر أن العضو الذي لا يقبل تعديل الدستور في غضون اثني عشرا
شهرا من تاريخ بدء نفاذ التعديل يتعين أن
تنتهي عضويته ) وقد نص النظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية على
نفس هذا الجزاء وليس للدولة العضو حق فيه ([16])
.
([10])
قد جاء ميثاق الأمم المتحدة بحكم جديد إذ يمكن تعديل هذا الميثاق على الرغم من رفض
الكثير من الدول لهذا التعديل ، قد يصل عدد الدول الرافضة للتعديل ثلث الدول
المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة ) وهذه التعديلات تتم وفقا لشروط معينة تضمنتها المادتين108،
109 من ميثاق الأمم المتحدة ، نقلا عن د. عبد الله العريان ، فكرة التنظيم الدولي
، ( تطورها التاريخي وخصائصها الحاضرة ) ، مجلة القانون والاقتصاد ، العددان (1-2)
، السنة الخامسة والعشرين ، 1955 ، ص239 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق