ان قوانين الإجراءات
الجنائية لدول العالم لم تأخذ بنهج واحد فيما يتعلق بالعلانية في إجراءات التحقيق
الابتدائي و ان اتفقت على علانية المحاكمة كضمانة من ضمانات المتهم و كأصل جوهري
من أصول النظام القضائي . حيث ان هذه القوانين تختلف في ذلك تبعاً للنظام الذي تأخذ
به .
ففي القوانين التي تأخذ بالنظام الاتهامي فان
إجراءات التحقيق الابتدائي شأنها شأن إجراءات التحقيق النهائي ( المحاكمة ) تتم
بعلانية مطلقة ، أي يسمح للخصوم بحضور إجراءات التحقيق الابتدائي و كذلك تعطى
للجمهور فرصة الحضور ، و ذلك لأن العلانية هي أحدى صفات أو خصائص هذا النظام . و
من الدول التي أخذت بهذا النظام كأساس لقوانينها هي إنكلترا و أمريكا و غيرها .
اما القوانين التي تأخذ بنظام التحري و
التعقيب وبما ان السرية هي أحدى خصائص هذا
النظام ، فأن إجراءات التحقيق الابتدائي تكون سرية و تجرى بمعزل عن الجمهور ،و لم
يقف الأمر عند ذلك بل امتدت هذه السرية لكي تشمل الخصوم كذلك ، حيث لا يحق لهم
حضور هذه الإجراءات و الإطلاع عليها .
ان السرية في هذا النظام هي ضرورة لازمة و
ذلك لإحكام حلقات التحقيق و الوصول به الى غايته ، ولان الفلسفة السائدة في هذا
النظام تغلب مصلحة التحقيق على مجرد تحقيق ضمان لحق المتهم . [1]
ومن القوانين التي أخذت بهذا النظام هو القانون الفرنسي الذي كان سائداً قبل
الثورة الفرنسية ، ولا يزال القانون الفرنسي و ان أعتبر من القوانين التي تأخذ
بالنظام المختلط يتسم بمظاهـر هذا النظـام مع تلافي بعض العيوب . [2]
وهناك
مجموعة من القوانين تجمع بين محاسن النظامين السابقين في نظام واحد ، وهو ما يسمى
بالنظام المختلط . ففي مرحلة التحقيق الابتدائي بقيت إجراءات نظام التحري و التعقيب
هي الأساس ، و لكن لم تبقَ السرية مطلقة في هذه المرحلة بل يسمح للمحامي حضور
إجراءات التحقيق و عدم استجواب المتهم إلا بحضوره . أما في مرحلة المحاكمة فيصار إلى
النظام الاتهامي بما يتميز به من علانية و حضورية ، و من القوانين التي تأخذ
بالنظام المختلط هو قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الحالي و ان كان يقوم في
اساسه على نظام التحري والتعقيب مع اقترابه من النظام الاتهامي في مرحلة المحاكمة
، و من قوانين الإجراءات الجنائية العربية التي أخذت بهذا النظام هي مصر و سوريا و
لبنان و أغلب الدول العربية الأخرى . [3]
و يُعَد قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي من القوانين التي تأخذ بهذا النظام
.
من
ذلك يتبين ان القوانين قد انقسمت الى قسمين فيما يتعلق بالعلانية في التحقيق
الابتدائي ، فهي اما ان تأخذ بالعلانية المطلقة ، وذلك في القوانين التي تأخذ
بالنظام الاتهامي ، او علانية نسبية في القوانين التي تأخذ بالنظام المختلط .
إذاً في التحقيق الابتدائي هناك علانية
مطلقة و علانية نسبية . و الآن نأتي لبيان مفهوم كلٌ منهما في فرعين متتاليين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق