السبت، 11 يناير 2014

التنظيم الدولي لقواعد سندات الشحن البحرية

إن العلاقة التي تربط طرفي عقد النقل كانت محكومة بمبدأ الحرية التعاقدية قبل تشريع قانون هارتر الأمريكي وإبرام معاهدات سندات الشحن، فكانت سندات الشحن تتضمن شروطا عديدة لإعفاء الناقل من المسؤولية، قسم منها ذو طابع عام كالقضاء والقدر، ومخاطر البحر، والعيب الخفي، وقسم آخر أوجدته الأحكام القضائية في القرن الثامن عشر أدت بالناقلين إلى تضمين سندات الشحن شروطا عرفت بشروط الإعفاء أو شروط الإهمال، وهذه الشروط لم تقتصر على الإعفاءات القديمة ذات الطابع العام فقط بل صيغت لحماية الناقلين من المسؤولية الناجمة عن أخطار البحر وأخطار الملاحة، وعلى اثر ظهور هذه الشروط وانتشارها في جميع الدول البحرية وقبول القضاء بها، بدأ الناقلون بإعفاء أنفسهم من كل مسؤولية حتى تلك الناجمة عن أخطائهم الشخصية(1)0
        وما درج عليه الناقلون من تضمين عقود النقل شروط إعفائهم من المسؤولية خاصة شرط الإهمال negligence clause أدى إلى إعفاء الناقل من أي تلف يصيب البضاعة بسبب أفعال تابعيه البحريين، سواء أكانت أخطاء ملاحية أم تجارية وسواء أكانت صادرة عن غش منهم أم نتيجة إهمال، وازدادت نتيجة لذلك الخسارة التي تلحق بالبضائع أثناء نقلها بسبب عدم إشراف الناقل واطمئنانه إلى عدم مسؤوليته وفقا للشروط المنصوص عليها في العقد، فازدادت شكوى الشاحنين(2)0وشرط الإعفاء من المسؤولية هذا ظهر في إنكلترا أولا، ثم انتقل إلى البلاد الأخرى فاقره القضاء الفرنسي في عام 1864 وفي عام 1869 معتبرا أن شرط الإعفاء صحيح ولا يتعارض مع النظام العام في فرنسا(3)0 ومما زاد من شكوى الشاحنين بهذا الخصوص أن عمليات النقل الملاحية أصبحت حكرا على عدد من شركات الملاحة الكبرى
)5(
 
 
 مما جعل هذه العقود من قبيل عقود الإذعان إذ يجد الشاحن نفسه مضطرا لقبول الشروط التي تفرضها عليه هذه الشركات التي تضمنها عقودها، وقد تكاتفت شركات التامين وكذلك المصارف مع الشاحنين في طلباتهم بإبطال شروط الإعفاء من المسؤولية، لان مثل هذه الشروط تؤدي إلى حرمان المؤمن من الرجوع إلى الناقل بدلا من الشاحن في حقوقه قبل الناقل، كما أنها تضعف ضمان المصارف في حالة الاعتماد المستندي، حيث أن للمصرف الحق في التنفيذ على البضاعة في حالة عدم سداد الشاحن قيمة الاعتماد المستندي، وذلك بمقتضى المستندات التي تحت تصرفه، وتؤدي شروط الإعفاء من الناحية العملية إلى تعطيل هذا الضمان المقرر للمصرف(1)0 فطالب الشاحنون بإبطال شروط الإعفاء من المسؤولية، فكانت الولايات المتحدة وهي دولة شاحنين آنذاك، أول من وضعت قانونا يبطل فيه شروط الإعفاء من المسؤولية كما سنرى، ثم ازدادت المطالبات بوضع قواعد موحدة لسندات الشحن البحرية تحقق نوعاً من التوازن في الحقوق والالتزامات لطرفي سند الشحن، الشاحن والناقل، وهذا ما حصل فعلا 0 لذلك سنحاول في هذا المبحث التمهيدي بيان توحيد قواعد سندات الشحن البحرية التي أدت إلى عقد معاهدة بروكسل لعام 1924 ومن ثم قواعد تعديلها التي سميت بقواعد لاهاي-فسبي لعام 1968 فضلا عن عقد معاهدة هامبورغ للنقل الدولي البحري للبضائع لعام 1978، مع بيان أهم ما جاء في هذه المعاهدات من أحكام، ونطاق تطبيق كل منها، وموقف القانون العراقي والقوانين المقارنة منها


(1) د0 احمد محمود حسني، النقل الدولي البحري للبضائع، الطبعة الثانية، منشأة المعارف بالإسكندرية،1989، ص22.
(2) د0 سميحة القليوبي، القانون البحري، دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1987، ص283.
(3)ينظر نقض فرنسي 23 شباط سنة 1864 دالوز 1864 –1-166 ونقض فرنسي 20 كانون الثاني سنة 1869 دالوز 1869 –1-94 نقلا عن د0 عبد الرحمن سليم، شروط الإعفاء من المسؤولية طبقا لمعاهدة سندات الشحن، مطبعة اتحاد الجامعات،1956، ص 10.
(1) د. سميحة القليوبي، المصدر السابق،ص283-284.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق