السبت، 11 يناير 2014

التعريف بحق الملكية الخاصة

نوضح في هذا المطلب تعريف حق الملكية وخصائصه وعناصره في ثلاثة فروع وعلى النحو الآتي:

الفرع الأول: تعريف حق الملكية

الفرع الثاني: خصائص حق الملكية
الفرع الثالث: سلطات المالك على الملكية (عناصر الملكية)

الفرع الأول: تعريف حق الملكية الخاصة
لغةً: الملكية نسبة إلى المالك، والملك يعني: احتواء الشيء، أو القدرة على الاستبداد به. والملكية اسم صيغة من مادة ملك منسوباً إلى المصدر وهو الملك(1).
أما اصطلاحاً: فقد عرفه الأحناف الملك بأنه القدرة التي يثبتها الشارع ابتداءاً على التصرف إلا لمانع. والملك أو الملكية علاقة بين الإنسان والمال. أقرّه الشرع وجعله مختصاً، ويتصرف فيه بالتصرفات كلها ما لم يوجد مانع من التصرف(2).
وقد وردت تعريفات عدة لحق الملكية في القوانين المدنية. فقد نصت المادة (1048) من القانون المدني العراقي على أن: ((الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفاً مطلقاً فيما يملكه عيناً ومنفعة واستغلالاً فينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة.
ومن الواضح نجد تأثر المشرع العراقي بالفقه الإسلامي، وذلك بنقله هذا التعريف حرفياً من المادة (11) من مرشد الحيران، وهو بهذا يتفق مع القانون المدني المصري، بأبرز سلطات المالك الثلاث، وهي: الاستعمال، الاستغلال، والتصرف. وعبارة: ((جميع التصرفات الجائزة)) الواردة في تعريف القانون المدني العراقي تقابلها عبارة في ((حدود القانون)) الواردة في تعريف القانون المدني المصري. فالمادة (802) من القانون المدني المصري تعرف حق الملكية بقولها: ((لمالك وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه))(3).
        وقد نصت المادة (544) من القانون المدني الفرنسي بقولها إن: ((الملكية هي الحق في الانتفاع والتصرف في الأشياء على النحو المطلق بشرط أن لا يستعملها أحد استعمالاً محرماً بموجب القوانين أو الأنظمة)). وهذا التعريف قريب من تعريف القانون المدني العراقي لحق الملكية(1).
        وبإمعان النظر إلى تعريف القانون المدني العراقي ومرشد الحيران وغيرهما من تعريفات الفقه الإسلامي والقانون المدني المصري والفرنسي، قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة أنها قرنت الملكية بصفة الأطلاق. إلا أن هذه التعريفات تضمنت إشارة مهمة تنزع عن حق الملكية هذه الصفة. فعجز المادة (1048) من القانون المدني العراقي والمادة (11) من مرشد الحيران تتحدث عن تصرفات المالك في العين بعبارة ((بجميع التصرفات الجائزة)) فإذا خرج عن حدود الشرع والجواز فلا يعده الشرع أو القانون مستحقاً لحمايته. وهذه العبارة مفيدة من ناحيتين اثنتين هما:
أولاً: فمن ناحية السياسة التشريعية تثبت للمشرع الحق في تقيد حق الملكية على أساس أن ذلك من حقه. وليس من قبيل التعدي والغصب.
ثانياً: ومن الناحية الأخرى فيها تأكيد على الطابع الاجتماعي لحق الملكية الخاصة بأن الملكية هي حق له وظيفة اجتماعية(2).
كما أن هذه الفكرة أٌيدت بموجب دساتير الدول. فقد نصت أغلبها على أن الملكية وظيفة اجتماعية. فمثلاً الفقرة (أ، ب) من المادة (16) من الدستور العراقي المؤقت لعام (1970) التي تنص على أن (( أ- الملكية وظيفة اجتماعية تمارس في حدود أهداف المجتمع ومناهج الدولة، وفقاً لأحكام القانون. ب- الملكية الخاصة والحرية الاقتصادية الفردية مكفولتان في حدود القانون وعلى أساس عدم استثمارها فيما يتعارض أو يضر بالتخطيط الاقتصادي العام))(3).
        ويرى بعض الكتاب أنه حتى لا نبتعد عن هذا التعريف المستمد من الفقه الإسلامي يمكن تعريف حق الملكية (الملك التام) بشيء من الإيجاز وعلى النحو الآتي: ((الملك التام من شأنه أن يتصرف المالك فيما يملك بجميع التصرفات الجائزة عيناً ومنفعة واستغلالاً))(4).



الفرع الثاني: خصائص حق الملكية
        ينفرد حق الملكية بخصائص دون سواه، وهي كونه حقاً جامعاً ومانعاً ودائماً، ونقتصر الحديث وبإيجاز عن بيان الخصائص التي ينفرد بها حق الملكية وعلى النحو الآتي:

أولاً: حق جامع

        يعد حق الملكية حقاً جامعاً، وذلك لأنه يشمل أوسع السلطات التي يمكن أن تكون للشخص على الشيء، وهذه السلطات هي: الاستعمال، الاستغلال، التصرف. وهي التي تمكنه من الحصول على جميع المزايا في الشيء محل الحق وضمن الحدود الجائزة قانوناً(1).

ثانياً: حق مانع

        و يعني ذلك أن المالك وحده له الحق في أن يستأثر بجميع مزايا ملكه دون سواه. ويستطيع أن يزاول سلطاته عليه، ويمنع غيره من مشاركته فيه حتى ولو لم يلحقه ضرر من المشاركة(2).

ثالثاً: حق دائم

        وهو يعني أن حق الملكية يظل باقياً ما دام الشيء محل الحق موجود. وهذا لا يعني أن ملكية الإنسان للشيء تدوم أبد الدهر. وقد يتخلى المالك عن ملكيته للشيء بأي تصرف ناقل للملكية نحو البيع أو الهبة. فالقصد من قولنا أن حق الملكية حق دائم، يعني أنه حق دائم في ذاته. أي لكونه وارداً على شيء معين يظل باقياً ما دام الشيء باقياً أيضاً(3).

الفرع الثالث: سلطات المالك على ملكه (عناصر الملكية)
        يقصد بعناصر الملكية: السلطات أو المكنات التي يخولها الحق لصاحبه على ملكه. وهذه السلطات هي: الاستعمال، والاستغلال، التصرف. وقد أشارت المادة (1048) من القانون المدني العراقي إلى هذه السلطات الثلاث(4).
        ونتولى بإيجاز بيان تلك السلطات التي تكون مضموناً للملكية فيما يأتي:

أولاً: سلطة الاستعمال

        وهي تعني انتفاع مالك الشيء بعينه الانتفاع الذي أعد له بحسب طبيعته وعلى النحو الذي أعد له، شريطة عدم استملاك الشيء نفسه، فالسيارة تستعمل لركوبها، والمنزل لسكناه، والكتاب بقراءته000
        فالاستعمال هو استخدام الشيء المملوك في وجوه الاستعمال التي أعد لها والمتفقة مع طبيعته(1).

 

ثانياً: سلطة الاستغلال

        يختلف استغلال الشيء عن استعماله، فالاستغلال يعني القيام بالأعمال اللازمة للحصول على ثمار الشيء المملوك، فاستغلال الدار بتأجيرها، واستغلال الماشية بالحصول على نتاجها.
        وقد يقيد المشرع في بعض الحالات من حرية المالك في استغلال الشيء المملوك له، فمثلاً لا يجيز قانون زراعة التبغ زراعته إلا في مناطق معينة، وبمساحات تحددها السلطات المختصة، وبترخيص منها(2).

ثالثاً: سلطة التصرف

        بينت المادة (1048) من القانون المدني العراقي أن للمالك بماله من سلطة جامعة أن يتصرف في الشيء محل الحق بجميع التصرفات الجائزة. إما أن تكون هذه تصرفات
فعلية
(Acte Materielle) وذلك باستهلاك الشيء، أو إتلافه، أو إحداث تغيير فيه. وإما أن تكون تصرفات قضائية (Acte juridigne) وذلك بنقل بعض عناصرها إلى الغير. نحو البيع، أو الهبة، أو ترتيب حق الإرتفاق، أو الرهن.
        وسلطة التصرف تعد أهم عنصر من عناصر الملكية، وتميز حق الملكية عن غيره من الحقوق العينية، بأن للمالك وحده سلطة التصرف المادي في الشيء الذي يملكه، وله وحده سلطة التصرف القانوني في رقبة الشيء. وهذه السلطة لا تكون إلا للمالك سواء أكان التصرف تصرفاً مادياً أم كان تصرفاً قانونياً. أما سلطة التصرف في منافع الشيء فتشترك مع حق الملكية الحقوق العينية الأخرى كل بقدر معين. فالتصرف إذن لا ينفصل عن الملكية والمالك ما دام مالكاً لا يفقد سلطة التصرف(1).
        وكما أن للمالك الحرية في التصرف في ملكه كيف ما يشاء. وله الحرية أيضاً إلا يتصرف فيه. وهناك حالات استثنائية تقيد فيها سلطة المالك في التصرف أو يحرم من هذه السلطة بصفة مؤقتة. وذلك بمقتضى نص في القانون، أو بموجب قيود إدارية (شرط المنع من التصرف)(2).



(1) أنظر القاموس المحيط باب الكاف فصل الميم، وقد عرف الحاوي القدسي الملك بأنه " الاختصاص الحاجز" أي الذي يخول صاحبه منع غيره،. وعرفه الكمال بن الهمام أول كتاب البيع من كتابه فتح القدير بأنه (( القدرة على التصرف ابتداء إلا لمانع)) يريد أنه قدرة  مبتدأة لا مستمدة من شخص آخر.
(2) د. وهبة الزحيلي – الفقه الإسلامي وأدلته – ج 4 – ط 4 – مطبعة دار الفكر المعاصر – لبنان – 1997 – ص2892.
(3) أنظر في رسالة الدكتور سعيد أمجد الزهاوي – التعسف في استعمال حق الملكية في الشريعة والقانون – ط1 – دار الاتحاد العربي للطباعة – القاهرة – 1975 – ص87. 
د. صلاح الدين الناهي – الوجيز في الحقوق العينية الأصلية – ج1 – شركة الطبع والنشر الأهلية – بغداد – 1961 – ص6.
(1)  Code Civil – Editions Litec – 1999- P. 309 
(2) د. سعيد عبد الكريم – شرح القانون المدني العراقي – الحقوق العينية الأصلية – ط1 – دار الحرية للطباعة – بغداد – 1973 – ص24. وأنظر كذلك د. محمد طه البشير – د. غني حسون طه – الحقوق العينية – (ب. م) – 1982 – ص42.
(3) د. محمد طه البشير – د. غني حسون طه – مصدر سابق – ص36.
(4) د. عبد المنعم فرج الصدة – حق الملكية – ط2- القاهرة – 1964 – ص13.
(1) د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – حق الملكية – ج8 – الناشر – دار النهضة العربية – القاهرة – 1967 – ص529. 
(2) د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص529. أنظر كذلك د. عبد المنعم فرج الصدة – مصدر سابق – ص17.
(3  د. محمد علي حنبولة – الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة – ط1 – دار بور سعيد للطباعة – الإسكندرية – 1974 – ص421.
(4) علي هادي العبيدي – الوجيز في شرح القانون المدني – الحقوق العينية – ط1- مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع والاعلان – عمان – 1999- ص21. وأنظر كذلك شاكر ناصر حيدر – الوجيز في الحقوق العينية الأصلية – ج1 – مطبعة العاني – بغداد – 1969 – ص 196.  
(1) د. محمد كامل مرسي – شرح القانون المدني الجديد – الحقوق العينية الأصلية – ط1 – المطبعة العالمية – القاهرة – (ب. ت) – ص612.
(2) د. سعيد عبد الكريم – مصدر سابق – ص32.
(1) محي الدين إسماعيل – أصول القانون المدني – الحقوق العينية الأصلية والتبعية – (ب. م) – 1977 – ص29-30. وأنظر كذلك عبد المنعم فرج الصدة – مصدر سابق – ص 29-30. وأنظر كذلك د. علي هادي العبيدي – مصدر سابق – ص23.
(2) د. سعيد عبد الكريم – مصدر سابق – ص33.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق