السبت، 11 يناير 2014

ماهية عقد الوساطة التجارية

تمهيد وتقسيم
ان عقد الوساطة التجارية هو احد العقود التجارية المهمة في الميدان التجاري يتميّز بخصائص معينة كغيره من العقود التجارية كما انه يختلط مع عقود اخرى قريبة منه كالوكالة بالعمولة والتمثيل التجاري ووكالة العقود اذ يتشابه معها في كثير من الامور ويختلف في امور اخرى ، فضلا عن ان له طبيعة قانونية خاصة به وقواعد ابرام معينة اذ له خصوصية معينة خاصة في الاهلية اللازمة لممارسة هذا العمل، فضلا عن ذلك فلابد للعقد من قواعد اثبات تمكن الطرفين من اثباته في حالة حصول خلاف بينهما ، لذلك سنقسم هذا الفصل الى ثلاثة مباحث نتناول في المبحث الاول التعريف بعقد الوساطة التجارية وخصائصه اما المبحث الثاني فنتناول به تمييز هذا العقد عن  غيره من العقود التي تشتبه به وهي الوكالة بالعمولة والتمثيل التجاري ووكالة العقود اما المبحث الثالث فسيخصص لبيان الطبيعة القانونية لهذا العقد وقواعد ابرامه واثباته .











المبحث الأول
التعريف بعقد الوساطة التجارية

نتناول في هذا المبحث التعريف بعقد الوساطة التجارية وبيان الخصائص التي يتميّز بها لذلك سنقسمه الى مطلبين نتناول في المطلب الاول التعريف به وفي المطلب الثاني نبين خصائص عقد الوساطة التجارية .

المطلب الأول
تعريف عقد الوساطة التجارية

لغرض التوصل الى إدراك واضح وجلي للوساطة التجارية يقتضي الامر التعرض للمقصود بالوساطة التجارية وبيان أهميتها لذلك يتشعب هذا المطلب الى فرعين نتناول في الفرع الأول المقصود بعقد الوساطة التجارية وفي الفرع الثاني بيان اهمية الوساطة التجارية على النحو الاتي :

الفرع الأول
المقصود بعقد الوساطة التجارية([1])

من اجل الإحاطة بتعريف عقد الوساطة التجارية لابد من بيان ما المقصود بالوساطة لغة ثم نتطرق لتعريف العقد اصطلاحا  فالوساطة في اللغة هي مصدر للفعل الثلاثي ( وسط) الذي يأتي بمعنى وعد ([2]).


والوساطة عمل الوسيط ، والوسيط هو المتوسط بين المتخاصمين ([3]) .
اما في الاصطلاح القانوني فإن معظم القوانين التي نظمت هذا العقد قد عرفته ، فالقانون العراقي عرفه بانه (( عمل يبتغي القائم به تسهيل ابرام عقد من العقود لقاء أجرة )) ([4]) ويلاحظ على تعريف المشرع العراقي انه لم يعرفه  كعقد بين الطرفين يرتب حقوقاً والتزامات بينهما وانما عرفه كعمل يحترف القيام به شخص معين ويتخذه مهنة له ، في حين ان القانون المصري والاردني قد عرفاه على انه عقد بين طرفين يترتب عليه حقوق وواجبات على كل من طرفيه ، فقد عرفه القانون المصري  بانه ((عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لابرام عقد معين والتوسط في ابرامه )) ([5]) .
اما القانون الاردني فقد عرفه بأنه (( عقد يلتزم به فريق يدعى السمسار بأن يرشد الفريق الاخر الى فرصة لعقد اتفاق ما او ان يكون وسيطا له في مفاوضات التعاقد وذلك لقاء اجر )) ([6]) .
وقد عرفه أيضاً قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين الاردني بأنه (( قيام الشخص بالوساطة بين طرفين لعقد العقود او تسهيل عقد المعاملات التجارية وما يتفرع عنها لقاء اجر دون تحمل تبعتها ))([7]).
ويلاحظ ان قانون التجارة الفرنسي حتى في طبعته الاخيرة لم يعرف هذا العقد وقد عرفته لجنة تعديل القانون بأنه ((العقد الذي يتعهد بمقتضاه السمسار بالبحث عن شخص يضعه في علاقة مع اخر بهدف إتمام عقد ويكون له الحق في الحصول على عمولته اذا ما ابرم العقد الذي توسط بإبرامه سواء تم تنفيذه ام لم ينفذ))([8]).
اما في الفقه فهناك عدة تعاريف لعقد الوساطة التجارية منها انه (( العقد الذي يلتزم فيه احد الطرفين ويسمى السمسار بان يكرس جهوده للبحث عن متعاقد بشأن صفقة معينة مقابل اجر يسمى السمسرة ))([9])
ويلاحظ على هذا التعريف أنه يحصر مهنة الوساطة بالبحث عن متعاقد للموسط ولكنه يغفل الدور الاساسي للوسيط في التقريب بين الطرفين من اجل اتمام التعاقد بينهما.
وقد عرفه اخر (( بأنه التقريب بين متعاقدين لتسهيل تلاقي العرض والطلب نظير مبلغ من المال غالبا ما يكون نسبة مئوية من الصفقة)) ([10]).
وقد عرفه فقيه اخر بأنه (( الوساطة بين متعاقدين لابرام صفقة معينة نظير حصول السمسار على نسبة مئوية من قيمة الصفقة مقابل جهوده في التقريب بين وجهة نظر المتعاقدين)) ([11]).
ويلاحظ على التعريفين انهما يبينان جوهر عقد الوساطة التجارية وهو التقريب بين المتعاقدين ولكنهما يوحيان لاول وهلة بأن المتعاقدين يعرفان بعضهما البعض وهما موجودان أصلاً ولكنهما يلجأن الى الوسيط من اجل التقريب بينهما وتسهيل إبرام العقد.
وعرفه احد الفقهاء بقوله (( هو العقد الذي يلتزم السمسار بمقتضاه في نظير عمولة معينة يتقاضاها من عملية اما بالعثور على شخص يرضى التعاقد مع العميل وأما بإقناع شخص معين عن طريق التفاوض بالتعاقد مع هذا العميل ))([12]).
ويلاحظ على هذا التعريف انه أدق من التعاريف السابقة لانه يبين مهمة الوسيط في إيجاد متعاقد للموسط والتقريب بينهما من اجل إبرام العقد مقابل اجر يحصل عليه نظير خدمته هذه .

ويمكن تعريفه بأنه عقد من العقود التجارية المسماة يلتزم بمقتضاه الوسيط التجاري للموسط بان يؤدي له خدمة بالبحث عن طرف ثانٍ لإبرام صفقة معينة  والتقريب بينهما بحيث تؤدي جهوده الى إبرام العقد مقابل أجرة معينة وينتهي دوره عند هذا الحد بحيث لا يلتزم بتنفيذ هذا العقد .
يتضح مما تقدم ان عمل الوسيط التجاري يتمثل  بمجرد عمل مادي وليس قانونياً ويتمثل هذا العمل المادي بالبحث عن شخص للتعاقد مع الموسط (( الشخص الذي طلب خدمة الوسيط التجاري )) وحمل الطرفين على التعاقد واستحقاقه الاجر على عمله هذا وعدم التزامه بأي التزام اخر كتنفيذ العقد بين الطرفين المتعاقدين .



([1]) ان عقد الوساطة التجارية له تسميات مختلفة في متون القوانين ففي القانون العراقي يطلق عليه اسم الدلالة اما في القانون المصري والاردني والفرنسي فيسمى بعقد السمسرة  وفي هذه الرسالة نتناوله باسم واحد  هو عقد الوساطة تلافيا لاستخدام اكثر من مصطلح .
([2]) محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، 1981 ، ص 720 .
([3]) المنجد في اللغة والاعلام ، الطبعة السابعة والعشرون ، دار المشرق ، بيروت ،  لبنان ، 1973 ، ص900 .
([4]) المادة (1) من قانون الدلالة العراقي المرقم58 لسنة 1987 .
([5]) المادة (192) من قانون التجارة المصري المرقم17 لسنة 1999 .
([6]) المادة (99) من قانون التجارة الاردني المرقم12 لسنة 1966 .
([7]) المادة (2) من قانون الوكلاء والوسطاء التجاريين الاردني المرقم28 لسنة 2001 .
([8]) أشار إليه : د. سعيد يحيى ، الوجيز في القانون التجاري ، الجزء الاول ، مطابع روائي للإعلان ، القاهرة 1979 ، ص 53؛ Code De Ccommerce, Dolloz. 2001.
([9]) د. محسن شفيق ، الوسيط ، ص 93 ؛ اشار اليه د. رضا عبيد ، القانون التجاري ، الطبعة الرابعة ، مطابع شركة النصر للتصدير والاستيراد ، 1984 ، ص 230 .
([10]) د. اكثم امين الخولي ، قانون التجارة اللبناني المقارن ، جزء اول ، طبعة ثانية ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1967 ، ص 146 .
([11]) د. احمد محرز ، القانون التجاري الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1988 ، ص66.
([12]) د.علي البارودي،مبادئ القانون التجاري والبحري،دار المطبوعات الجامعية،الاسكندرية، ص ص65-66

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق