تمهيد
عقد
المغارسة من العقود الرضائية الملزمة للجانبين ، وله خصوصية معينة، فهو يبتدئ في
صورة ، وينتهي في صورة أخرى ، فمحل الالتزام يرد ابتداءً على أرض خالية ، وينتهي
في صورة بستان مغروس بأشجار مثمرة . ويكون للمغارس في الصورة الاولى حق شخصي ،
يتحول في الصورة الثانية بعد تنفيذ الالتزامات والشروط وانتهاء المدة الى حق عيني
.
وفي
المطلبيـن الآتيين بيان مفهوم هذا العقد،وخصائصه وطبيعته القانونية :
* المطلب الاول – مفهوم عقد المغارسة وخصائصه .
* المطلب الثاني – الطبيعة القانونية لعقد
المغارسة .
المطلب الاول
مفهوم
عقد المغارسة وخصائصه
الفرع الأول . مفهوم عقد المغارسة

وجاء
تعريف المغارسة
لدى الحنابلة بلفظ المناصبة والمغارسة بقولهم ( دفع الشجر بلا غرس مع أرضه لمن
يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزءٍ مشاع معلوم منه او من ثمره او منهما)([5]) .
وتنوع
تعريف
المغارسة في التشريعات العربية فقد عرفتها المادة 1003 من القانون المدني الليبي
بأنها ( عقد يسلم بمقتضاه مالك أرضه لغارس يتعهد بغرسها شجراً ثابت الأصل، مثمراً
، تتفق أو تتقارب مدة إطعامه وذلك مقابل
حصة من الارض تعطى للغارس).
كما نصت المادة 1416 من
المجلة التونسية على انه ( اذا كان موضوع الشركة اشجاراً مثمرة او نحوها من ذوات
الدخل ، وتكلف الشريك العامل بغرسها في أرض شريكه على ان يكون له مناب شائع في
الارض والاشجار عند بلوغها الى حد معلوم أو حد الاثمار سمي العقد عقد مغارسة ) .
أما المشرع اليمني فقد عرف المغارسة بالمادة 733
من القانون المدني ( المعاملات الشرعية) الى ما يأتي ( المغارسة الصحيحة أن يستأجر
مالك الارض من يغرس قدراً معلوماً من أرضه بغرس معين من عند الأجير من الاشجار
التي لها أصل ثابت ، ويقوم الأجير بتربية الغرس حتى يكتمل صلاحه وتبدو ثمرته في
مدة معلومة ، بأجرة معلومة ولو جزءاً معلوماً من الارض او الغرس وهذا النوع من
المغارسة ملزم للطرفين بما تراضيا عليه حال العقد ، وليس لأحدهما الفسخ ، ولا تعود
الارض كاملة الى مالكها الا بذهاب كامل الغرس أو باتفاق الطرفين ) .
وجاء في المادة 747 من القانون المدني
الاردني على انه [ يجوز عقد المساقاة في صورة مغارسة ، بان يتفق صاحب الارض مع آخر
على تسليمه الارض ليقوم بغرسها وتربية الغراس والعناية به وانشاء ما يستلزمه ذلك
من الوسائل ، خلال مدة معينة على ان تكون بعدها الارض والشجر المغروس وما يتبعها
من منشآت شركة بينهما طبقاً للاتفاق ] .

الملاحظ تميز القانون المدني
العراقي من مثيله الليبي والتونسي، في جواز ان تكون حصة المغارس مقتصرة على
الاشجار وحدها ، في حين ان القانونين المذكورين أوجبا ان تكون حصته في الارض
والشجر .
وتباينت الآراء في الفقه الاسلامي بشـأن
المغـارسة ، فالشافعية لم يجيزوها متى كان
الغرس لقاء ان يكون الثمر فقط مشتركاً بينهما ويجيـزون ذلك تبعـاً للمساقاة
والمزارعة ([6])
والامامية اعتبروها من العقود الفاسدة سواء ورد على الارض والشجر او الشجر لوحده ([7])
ولم يجز الامام أبو حنفية الا اذ ورد على الغرس لوحده دون الأرض ([8])
، أما فقهاء المالكية فقد ذهبوا الى جواز المغارسة بشروط معينة ، كوجوب غرس
الاشجار المثمرة ، وتعين حصة المغارس في الأرض والشجر ([9])
. ولبعض الحنابلة رأي يذهب الى ادخال المغارسة في مفهوم عقد المساقاة ([10]).
وذهب الزيدية الى ان المغارسة كالمساقاة([11])
، اما الظاهرية فأجازوها بأحد وجهين : الاول
-ان تكون المدخرات من أوتاد ونوى وقضبان لصاحب الارض فقط ، ويستأجر العامل
لغرسها وخدمتها والقيام عليها مدة مسماة ولا بد بشيء مسمى أو بقطعة من تلك الارض
مسماة ومحوزة ، أو منسوبة القدر مشاعة في جميعها، فيستحق العامل بعمله في كل ما
يمضي من تلك المدة ما يقابلها ، مما أستوجر به ، فهذه إجارة كسائر الإجارات . الثاني
- أن يقوم العامل بكل ما ذكر في الوجه
الاول ، ويغرسه ويخدمه وله في ذلك كله ما تعامل عليه من نصف او ثلث او ربع او جزء
مسمى وكذلك ولا حق له في الارض أصلاً ([12]) .
ولم تحدد التعاريف كافة جودة الشتلات ، كما لم تشر ايضاً في حالة عدم اثمار
الاشجار ، او ظهور اثمار ناقصة الجودة او عديمة الفائدة .
![]() |
الفرع الثاني . خصائص عقد المغارسة
أولاً.
عقد
المغارسة من العقود الرضائية ، ولا يوجد في القانون المدني او قانون الاصلاح
الزراعي ما يستلزم تحقق شكلية معينة لانعقاده ، ولا يغير من الامر شيئاً تأشيره في
السجل العقاري بالدائرة المختصة ، فمثل هذا التأشير لا يجعله من العقود الشكلية([13])
، باعتبار ان العقد يحظى بالوجود القانوني الصحيح قبل ذلك ، وان التأشير المذكور
أمر يتصل بالاثبات لا بالانعقاد ، كما يصح إبرام عقد المغارسة شفاها . ويلزم بداهة
تحقق أركان العقد من رضا ومحل وسبب، ووجود الرضا لا يكفي ، ما لم يكن صحيحاً بأن
لا تعتري أهلية العاقدين أي من العوارض التي تخل بها ، وحيث لا يصح عقد المغارسة
المبرم من الصغير المميز ومن في حكمه (السفيه، ذي الغفلة ، المعتوه ) الا باذن
المحكمة باعتباره يخرج من دائرة عقود الادارة المعتادة ([14])
، او بموافقة دائرة رعاية القاصرين استناداً الى حكم المادة 43 من قانون رعاية
القاصرين ذي الرقم 78 لسنة 1980([15])
. كما ويلزم خلو ارادتي العاقدين من اكراه او غلط او تغرير مع الغبن .

ويلزم ان يكون المحل ،
موجوداً وممكناً ومعيناً ومشروعاً ، والمحل في عقد المغارسة مزدوج فهو بالنسبة الى
التزامات صاحب الارض يكون في منفعة الارض وبالنسبة الى المغارس يكون في غراس
الاشجار المقررة في العقد ، ومنفعة الارض
تقاس بالمدة وقد لا يعرض العاقدان للمدة أصلاً ، او قد يتعذر اثبات المدة المتفق
عليها فيها ، عندئذ يصار الى المدة المحددة قانوناً ، وامدها عشر سنوات من ابتداء
الغرس ( بموجب المادة 14/أ من القانون 117 لسنة 1970 ) خلافاً لما ورد في القانون
المدني بالمادة 825 الذي ترك تحديد المدة عند عدم الاتفاق الى العرف … وان لا تقل عن 15 سنة في جميع الاحوال .

ثانياً.
انه
عقد ملزم للجانبين فانه يرتب التزامات متقابلة على طرفيه فيلتزم المغارس بغرس
الأرض الخالية التي أستلمها كما يلتزم صاحب الأرض بعد اكمال الغرس بتمليك المغارس
ما أتفق عليه من الأرض والشجر أو الشجر لوحدها بموجب القانون المدني والذي عد
معدلاً بقانون الاصلاح الزراعي الرقم 117 لسنة 1970 الذي جعل حصة المغارس لا تقل
عن النصف من الأرض والشجر .
ثالثاً . انه عقد معاوضة
لان كلا الطرفين يأخذ مقابلاً لما يعطي .
رابعاً.
انه
من العقود المحددة وليس الاحتمالية ، ولا يغير من هذه الصفة عدم تزهير الاشجار
المغروسة لبعض السنوات .
خامساً. انه من العقود
المستمرة التنفيذ لا الفورية منها اذ يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه ، ويتأكد هذا
المعنى في التزام المغارس بالاستمرار في العناية بالمغروسات بعد غرسها طوال مدة
العقد .
سادساً
.
انه ذو طبيعة خاصة فيبدأ في صورة وينتهي في صورة أخرى ، فتكون الحقوق شخصية في
الابتداء لتصبح حقوقاً عينية بعد اكمال المدة والشروط .

([2]) حديث صحيح أخرجه - فضل الله الجيلاني = فضل
الله الصمد في توضيح الأدب المفرد لأبي عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري – رقم الحديث ( 479) – المطبعة السلفية القاهرة 1378 هـ – ص 563، 564 . وكذلك انظر – مسند الامام احمد بن حنبل – شرح وفهرسة حمزة احمد الزين – ج11 – رقم الحديث (12916 ) – دار الحديث – القاهرة 1995 – ص 55 .
([3])
وضع بنود عقد المغارسة في مشروع القانون المدني العراقي الاستاذ ( منير
القاضي) - وقد وضح في تمهيده لذلك بالقول
( لم أجد في القوانين المدنية ما يحسن اقتباسه .. فاعتمدت على القواعد العامة
واعراف المناطق الجاري فيها التعامل بالمغروسات ملاحظاً مبدأ العدالة التي هي
الركن الجوهري في فقهنا وتشريعنا آخذاً بقوله تعالى ( ان الله يأمر بالعدل ) ،
- الاعمال التحضيرية لمشروع القانون المدني العراقي – الاحد 25/2/1944.
([4]) (التعاب) هو صاحب حق التبعة والتبعة ضرب من
المغارسة في محافظة البصرة وما يجاورها ، والتبعة قد تسمى طينيه
متى ما اشترط في العقد أن يكون للتعاب بعد اكمال الغرس والاعمار الحق في تملك قسم
من الارض والغرس الذي عليها ، وقد تسمى - تثمينية
- عندما يقتصر حق التعاب في بعض المغروسات فقط دون الارض - سليمان فيضي– المصـدر
السابـق – الصفحات 9 – 22 .
- علاء الدين المرادوي (الانصاف لمعرفة
الراجح من الخلاف) – المصدر السابق – ج5 – ص425-426.
- الجزيري (الفقه علىالمذاهب الاربعة)-المصدر السابق– ج3–
الصفحات23،24،31.
الجزيري (الفقه
على المذاهب الاربعة )– المصدر السابق –
ج3 – ص 31.
([15])
تشير الفقرتان اولاً وخامساً من المادة 43 من قانون رعاية القاصرين الى وجوب
استحصال موافقة مديرية رعاية القاصرين المختصة بعد التحقق من مصلحة القاصر في :
اولاً. جميع التصرفات التي من شأنها انشاء
حق من الحقوق العينية العقارية الاصلية او التبعية او نقله او تغيره او زواله
وكذلك جميع التصرفات المقرة لحق من الحقوق المذكورة .
خامساً.ايجار العقارات لاكثر من سنة واحدة
وللاراضي الزراعية لاكثر من ثلاث سنوات على ان لا تمتد مدة الايجار في أي من
الحالتين الى ما بعد بلوغ الصغير سن الرشد.
([16]) الاستاذ محمد طه بشير والدكتور غني حسون طه – (الحقوق العينية الاصلية والتبعية ) – المصدر السابق- ص 114-116 .
–
قانون التسجيل العقاري الرقم 43 لسنة 1971 المواد (217-218) .
- قرار هيئة تميز الاصلاح الزراعي 19/ عائدية /
1975 في 21/1/1975، ومما ورد فيه (… ان قيام بعض الشركاء في الارض باجراء عقد
مغارسة مع اخرين يعتبر من التصرفات غير المعتادة التي تستوجب موافقة جميع الشركاء
، وبخلاف ذلك يعتبر العقد نافذاً من حصة الشريك المتعاقد فقط ولا يسري على حصة
بقية الشركاء لان كل واحد من الشركاء أجنبي في حصة الآخر …) .
([21])
تطبيقاً لذلك ينظر قرار محكمة بداءة كركوك
153/ب/1992 ومما جاء فيه ان قيام المدعي بحفر بئر سطحي وتبطينه بالقوالب مع تعديل
الارض وغرسها بمغروسات لقاء أجر واستلامه كامل الاجر تخضع لاحكام عقد المقاولة
والاستصناع م 864 مدني ، وتعد المغروسات
جزءاً لا يتجزأ من عقد المقاولة ، ولا تندرج تحت احكام عقد المغارسة … وعليه قرر الحكم برد الدعوى (قرار غير منشور) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق